بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الصحابة و دورهم في نشر السنة
*
الحمد لله الذي اصطفى رسله من بين العالمين ، وفضلهم على الخلق أجمعين اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ اختار لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام أبر هذه الأمة قلوبا ، وأزكاهم أعمالا ، وأصدقهم حديثا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ اختصه الله تعالى بما لم يختص به أحدا من خلقه ، فهو صاحب اللواء المعقود ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.أما بعد.
*
فحديثنا اليوم عن أفضل الناس في كل أمة من الأمم هم من صحبوا رسولهم مؤمنين به ، مدافعين عنه ، داعين إلى دينه, ومن جاء بعدهم ممن لم يدركوا الرسول فآمنوا به أُلحقوا بهم في الفلاح والفوز العظيم بدليل كلام الله تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100] وقالت الأنصار رضي الله عنهم : “يا رسول الله لكل نبي أتباع وإنا قد اتبعناك فادع الله أن يجعل أتباعنا منا فدعا به” رواه البخاري .
ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أصحاب أفضل نبي عليه الصلاة والسلام ؛ كانوا أفضل الأصحاب ، وخير هذه الأمة ، فهم السابقون إلى الإيمان والهجرة ، والجهاد والنصرة, صدّقوا حين كثر المكذبون ، واتبعوا إذ قل المتبعون ، وتحملوا في سبيل ذلك هجر الأوطان ، ومفارقة الأهل والولدان ، ومعاداة العشيرة والخلان ، ومهما عمل من بعدهم فلن يبلغوا مبلغهم ، ولن يحوزوا فضلهم ، أو يدركوا سبقهم ؛ ولكنهم يلحقون بهم في الفوز والجنة ، لا في الفضل والدرجة , وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ” رواه الشيخان ، وروى ابن ماجه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: “لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره”.
*
إنهم رضي الله عنهم أعظم هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم إيمانا ويقينا ، وأكثرهم تضحية وبذلا ، فاستحقوا ما نالوا بفضل الله تعالى عليهم ، ورحمته بهم ، واصطفائه لهم ؛ ليكونوا أحباب خاتم رسله عليه الصلاة والسلام ، وأخبارهم رضي الله عنهم غزيرة في تصديقهم ومحبتهم ، ووفائهم وفدائهم له عليه الصلاة والسلام ، ودفاعهم عنه ، وتقديمه على كل محبوب سوى الله تعالى.
أدرك الصحابة الكرام رضوان الله عليهم مكانة السنَّة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بنشر العلم، وأحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسنِ ما يكون النقلُ.
*
والناظر في كتب العلم يدرك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبارة في نشر السنة النبوية، استطاعوا عن طريقها أن يحفظوا سنَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهودٍ ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهودُ حفظ السنَّة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتها بين الناس، وتطبيقها في كل مجالات الحياة.
*
وسأذكر أبرز هذه الجهود، التي يتبين من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل نشر السنَّة، والطريقة التي اتبعوها من أجل صيانتِها والحفاظ عليها.
- مجالس التحديث:
من الوسائل التي اتخذها أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم لنشر السنة وتعليم الحديث عقْد مجالس للرواية، فكان بعضهم يعقد مجلساً لرواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتواعد مع تلامذته على ذلك، فيفدون إليه متهيئين للسماع والحفظ، ومن هؤلاء عثمان بن عفان رضي الله عنه. - مجالس الإملاء:
ومن صور نشر السنة، اتخاذ الصحابة مجالس للإملاء يملون فيها على تلاميـذهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن هشام بن عمار حدثنا معروف الخياط، قال:” رأيت واثلة بن الأسقع يملي علـى الناس الأحاديث، وهم يكتبون بين أيديهم. (أخرجه الخطيب في الجامع (2/56 رقم 1167). - الخطب:
لقد كانت الخطب في المناسبات وخاصة خطب الجمعة والعيدين، وسيلة من وسـائل تبليغ السنة، إذ من البديهي أن يستدلَّ الصحابي في خطبته بالقرآن والحديث، ويسمع منه الجمع الكثير الذي يحضر للصلاة. عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عثمان يخطب على المنبر، وهو يقول: كنت أبتـاع التمر من بطنٍ من اليهود يقال لهم بنو قينقاع، فأبيعه بربح، فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال:” يا عثمان، إذا اشتريت فاكتل، وإذا بِعت فَكلْ” (أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب بيع المجازفة، رقم: (2230). - الفتيا:
لقد كانت فتاوى الصحابة وإجاباتهم عن أسئلة سائليهم وسيلة من وسائل نشر السنة وأدائها ونشرها، ذلك أنهم كانوا إذا سئلوا أو استفتوا حرصوا على أن يبينوا مأخذ فتواهم، وأن يذكروا دليل إجابتهم. وقد حرص الصحابة على غرس ذلك المنهج في نفوس تلاميذهم.
*
أخيراً أسألُ الله أن لا يجعل في قلوبنا غلاً على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم أجمعين، وجعلنا ممن يسلكون طريقهم فيفوزون فوزًا عظيمًا.
وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
*
جمع و ترتيب: عبد الرب محمد إسلام