أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واتقوا الظلم فإنَّه ظلمات يوم القيامة.
عباد الله: إنَّ من كمال الدين الإسلامي، بيانه لأحكام المعاملات بين الناس بكلِّ وضوح، في نُظُمٍ عادلةٍ لشريعةٍ كاملة، أتمَّ الله بها علينا النعمة، شريعةٌ حفظت حقوق العباد، وحفظت حقوق كبار السن والأطفال، وحفظت حقوق النساء والضعفاء واليتامى والمساكين؛ كما حفظت حقوق العمَّال والخدم، شريعةٌ كاملةٌ حرَّمت كلَّ صور الظلم والاستبداد والتسلط والاعتداء، ولقد حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرَّماً، قال تعالى: (إنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء:40) ،وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس:44)، وفي الحديث القدسيِّ قال الله تعالى: (يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا) (أخرجه مسلم).
عباد الله:
إنَّ للعمَّال والخدم حقوقاً يجب أن تحفظ، ومن تلك الحقوق: إعطاؤهم حقوقهم وعدم المماطلة أو التأخير في ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (أعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ) (أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة).
عباد الله:
-ومن حقوق العمَّال والخدم عدم تكليفهم ما لا يطيقون من أعمال، وعدم تكليفهم عملاً لم يكن متَّفَقاً عليه في عقد العمل، وعدم تركهم هملاً ليعملوا في أيِّ مكانٍ بلا حسيبٍ ولا رقيب، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1)، فيجب على المستأجِرِ والأجير الوفاء بما تعاقدا عليه، كل منهما يؤدي ما عليه للآخر، قال الإمام السعدي رحمه الله عند هذه الآية: “هذا أمرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها” (تفسير السعدي: 218).
معاشر المسلمين:
-ومن حقوق الأجير: تقديره واحترامه وعدم تحقيره أو إهانته وعدم ذمِّه في لونه وهيئته وجنسيته ولغته، والتعامل معه بالأخلاق الحسنة، قال عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما: (لم يَكُنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا) (أخرجه الشيخان).
-ومن حقوقهم أن يأخذ العامل إجازته في وقتها فهي حق من حقوقه، وتأخيرها ظلم كبير، وسبب خطير في تفشي المنكرات بين المسلمين.
-ومن حقوق العمَّال والخدم: تعليمهم ما يجهلون من أمور الدين، ونصحهم وإرشادهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعوة غير المسلمين منهم إلى الإسلام مع بيان محاسن الدين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) (أخرجه الشيخان).
ختاماً: أسأل الله تعالى أن يوفقنا و جميع المسلمين لأداء حقوق من حقهم علينا و أن يستر عوراتنا و أن يتجاوز عن سيئاتنا.(آمين)