بسم
الله الرحمن الرحيم
ظلم العمال و الاعتداء عليهم
الحمد لله الذي حرَّم الظلم، وأمر بالعدل
والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده
ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله! إن كثيرًا من العمال والأجراء يتغرب أحدهم
عن أهله، قادمًا من القرى البعيدة ويفارق زوجته، ويهجر أبناءه، ويغادر أباه وأمه،
وهم بأمس الحاجة إليه، ثم يعيش غريبا عنهم، بعيدا منهم، ثم يهلك جسمه، وينثر عرقه،
بل وأحيانا دماءه، كل ذلك من أجل أن يفرح نهاية الشهر بثمن بخس، دراهم معدودة
يوزعها على والدين كبيرين، وامرأة بائسة، وصبية يتضاغون، وقد لا ينال منها إلا
شيئا يسيرا. فتعظم المصيبة، وتكبر الكارثة، إذا مر الشهر والشهران، بل قد تمر على
بعضهم شهور عدة ولا يأخذون مستحقاتهم!، كيف ومحمد – صلى الله عليه وسلم – ينادي
فينا: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .(
(أخرجه
ابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة)،
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: “مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن
نعطيه أجره فورًا؛ لأنَّ الأجير قد يعمل ولا يعرق”، إلى أن قال:
“والأجير إنَّما يستحق الأجرة بتمام العمل” (ينظر
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: 4/ 257).
ومن الظلم عباد الله!: أنَّه إذا اشتكى أحدهم من تأخر
استلام راتبه هدده بإلغاء عقده وتسفيره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم) -:قَالَ اللهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ
ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ
أَجْرَهُ) (أخرجه البخاري
رحمه الله في صحيحه)، قال الإمام ابن باز
-رحمه الله-: “يجب على صاحب العمَّال الذي استأجرهم أن يعطيهم حقوقهم حسب
الشروط”(فتاوى نور على الدرب لابن باز
بعناية الشويعر 19/ 298).
لا تنسى أخي الكريم أن هذا الأجير إنما أخرجه إليك
الفقر والحاجة فقد يكون خلفه أبناء في المدارس بحاجة لهذا المال ومتى ما تأخر
عليهم أخرجوا من مدارسهم.
قد يكون خلفه مريض لا يملك ثمن الدواء، ينتظر ما يرسل
به هذا العامل من دراهم معدودة ليشتري به الدواء فيتأخر عنه المال فيموت، فمن
بالله عليكم يحمل إثمه، قد يكون خلفه أطفال جياع يبيتون يبكون من الجوع. قال النبي
-صلى الله عليه وسلم) –مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ) (متفق
عليه).
عباد الله، بعض الناس يأتي بالعامل ويكلفه بعمل قليلا
كان أو كثيرا أو بدون شروط، فإذا انتهى العامل أدخل صاحب العمل يده في جيبه وأخرج
له مبلغا زهيدا لا يساوي شيئا بالنسبة للعمل الذي عمله والجهد الذي أداه، فإن رفض
العامل أو تذمر أو قال: “هذا قليل” قال له: (إما تأخذه وإلا مع
السلام)”. ففي هذه الحالة إما أن يترك العامل دراهمه وهو في أمسّ الحاجة
إليها، أو يأخذها ويشكو أمره إلى الله. وهذا لا يجوز شرعا، فلا بد من تحديد العمل،
وتحديد أجره قبل البدء في العمل؛ حتى لا يظلم العامل…ثم إن كثيرا من الناس لا
يتردد في إطلاق السباب والشتائم؛ بل واللعن على مَن هم تحت يده، بل والضرب أحيانا،
وهذا من أقبح الذنوب. إن العبد المملوك -فضلا عن العامل- لا يجوز ضربه، أو تعذيبه،
أو إطلاق اللسان بالسباب له، وإن من أسوأ مظاهر الاعتداء ما يقع فيه كثير من
النساء مع الخادمات من الشتائم والضرب والتنقص، ألا فليتقين الله! فوالله! إنها
سمات بغيضة إلى الديَّان، كريهة إلى الرحمن، وإن أكثر عقوباتها تكون عاجلة قبل
الآجلة، وسيدفعن ضربيتها من صحتهن، وأبنائهن، وسعادتهن ومعاملة أزواجهن لهن؛ ثم
يُقْتَصُّ منهن يوم القيامة، ذاك اليوم الذي سيُقتَصُّ فيه حتى للشاة الجلحاء من
الشاة القرناء….
أخيراً أسأل الله تعالى أن يقينا و جميع المسلمين من
الظلم و الاعتداء على أي أحد سواء كان عاملا أو عاملة أو أحدا ممن هو تحت أيدينا
فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. فنسأل الله السلامة و العافية.
وصلى الله على نبينا محمد و على آله
و صحبه أجمعين.
جمع و ترتيب: عبدالرب محمد إسلام